الجِزيّة في الميزان
كثر الحديث هذه الايام عن سبب إقرار الجزية في القرآن ، وكذلك نسبتها والمشمولون بها ، فمنهم من قال انها تشمل اهل الكتاب فقط ويستثنى منها المُشركون ، ومنهم من قال انها شاملة لكل من لم يُسلِم .
وإعتقد البعض انها من اجل حماية من يعيش في دولة الاسلام من غير المسلمين ، مصوراً اياها وكأنها بلطجة !
ومنهم من تخبط في نسبتها التي لا وجود لدليل قاطع عليها .
فالطبري قال : أقله دينار وأكثره لا حد له ، لذلك فتحديد تلك النسبة المجهولة والمبهمة تعود الى الحاكم بامر الله اي الخليفة ، كما حددها اليوم الخليفة البغدادي بمبلغ 450-$- شهرياً للشخص الواحد .
واحتجوا بذلك على ما وجدوه في الصُحاح ، والتي يقولون فيها “كل ما في الصُحاح صحيح” .
وهي ببساطة شديدة وحسب جميع تفاسير المسلمين ، اذلال وتحقير لمواطنيين غير مسلمين ، يعيشون في ظل الدولة الاسلامية ، كعقوبة لهم بسبب رفضهم الدخول في دين الحق كما يصفه القرآن .
هذا هو نص الاية من سورة التوبة :
قاتلوا الذين لا يؤمنون بالله ولا باليوم الاخر ولا يُحَرمون ما حرم الله ورسوله ولا يدينون دين الحق من الذين اوتوا الكتاب حتى يعطوا الجزية عن يد وهم صاغرون.
اي القتال اولاً ، ومن ثم وبعد ان يستسلم ذلك العدو ، حينها يُخَيَّر مابين الدخول في دين الحق او الجزية المذلة .
وقوله : ( حتى يعطوا الجزية ) أي : إن لم يسلموا ، ( عن يد ) أي : عن قهر لهم وغلبة ، ( وهم صاغرون ) أي : ذليلون حقيرون مهانون ، ويعطوها وهم واقفون والمستلم المسلم يكون جالساً ، وفي هذه الاية نجد بيت القصيد .
فلهذا لا يجوز إعزاز أهل الذمة ولا رفعهم على المسلمين ، بل هم أذلاء صغرة أشقياء ، كما جاء في صحيح مسلم عن أبي هريرة رض ، أن النبي ص قال : لا تبدءوا اليهود والنصارى بالسلام ، وإذا لقيتم أحدهم في طريق فاضطروه إلى أضيقه ، واظن تفسير ذلك واضح !
هذا ما يخص النص والتفاسير ، اما التأويل الذي فيه روح القرآن المفقودة ، والذي ذكره الله في القرآن قائلاً ؛ ولا يعلم تأويله الا الله والراسخون في العلم ، فنجده مهملاً كونه يختلف تماماً عن جميع تلك التفاسير والاحاديث الموضوعة ، بل ويضرب بها عرض الجدار .
هذا بعض مما ذكره التاريخ الاسلامي في هذا الخصوص ، وهو ما كتبه نصارى الشام للخليفة الثاني عمر بن الخطاب رض مقابل صلحهم مع الدولة الاسلامية ، من خلال حديث موقوف لعبد الرحمن بن غنم .
اشترط عليهم الخليفة الراشد الثاني عمر بن الخطاب رض تلك الشروط المعروفة في إذلالهم وتصغيرهم وتحقيرهم ، وذلك مما رواه الأئمة الحفاظ ، من رواية عبد الرحمن بن غنم الأشعري قال : كتبت لعمر بن الخطاب رض حين صالح نصارى من أهل الشام :
“بسم الله الرحمن الرحيم ، هذا كتاب لعبد الله عمر أمير المؤمنين من نصارى مدينة كذا وكذا ، إنكم لما قدمتم علينا سألناكم الأمان لأنفسنا وذرارينا وأموالنا وأهل ملتنا وشرطنا لكم على أنفسنا ألا نحدث في مدينتنا ولا فيما حولها ديرا ولا كنيسة ، ولا قلاية ولا صومعة راهب ، ولا نجدد ما خرب منها ، ولا نحيي منها ما كان خطط المسلمين ، وألا نمنع كنائسنا أن ينزلها أحد من المسلمين في ليل ولا نهار ، وأن نوسع أبوابها للمارة وابن السبيل ، وأن ينزل من مر بنا من المسلمين ثلاثة أيام نطعمهم ، ولا نئوي في كنائسنا ولا منازلنا جاسوسا ، ولا نكتم غشا للمسلمين ، ولا نعلم أولادنا القرآن ، ولا نظهر شركا ، ولا ندعو إليه أحدا ؛ ولا نمنع أحدا من ذوي قرابتنا الدخول في الإسلام إن أرادوه ، وأن نوقر المسلمين ، وأن نقوم لهم من مجالسنا إن أرادوا الجلوس ، ولا نتشبه بهم في شيء من ملابسهم ، في قلنسوة ، ولا عمامة ، ولا نعلين ، ولا فرق شعر ، ولا نتكلم بكلامهم ، ولا نكتني بكناهم ، ولا نركب السروج ، ولا نتقلد السيوف ، ولا نتخذ شيئا من السلاح ، ولا نحمله معنا ، ولا ننقش خواتيمنا بالعربية ، ولا نبيع الخمور ، وأن نجز مقاديم رءوسنا ، وأن نلزم زينا حيثما كنا ، وأن نشد الزنانير على أوساطنا ، وألا نظهر الصليب على كنائسنا ، وألا نظهر صلبنا ولا كتبنا في شيء من طرق المسلمين ولا أسواقهم ، ولا نضرب نواقيسنا في كنائسنا إلا ضربا خفيا ، وألا نرفع أصواتنا بالقراءة في كنائسنا في شيء من حضرة المسلمين ، ولا نخرج شعانين ولا باعوثا ، ولا نرفع أصواتنا مع موتانا ، ولا نظهر النيران معهم في شيء من طرق المسلمين ولا أسواقهم ، ولا نجاورهم بموتانا ، ولا نتخذ من الرقيق ما جرى عليه سهام المسلمين ، وأن نرشد المسلمين ، ولا نطلع عليهم في منازلهم” .
فللذي لا يعرف معنى الجزية ، لا يضيع وقته محاولاً تزويق معناها واخراجها عن مضمونها الحقيقي .