حروب الجواري
أتى النبي الكريم (ص) برسالة انسانية واضحة للعرب، مفادها الحب والتعايش السلمي فيما بين البشر وفق ضوابط اجتماعية واُسرية وحتى دولية، أساسها التسامح واحترام الآخر وصون الكرامة التي هي قِمة مبادئ حقوق الانسان، والتي هي اثمن عند الله عز وجل من الكعبة المشرفة، وبعد ان استتب له (ص) الامر في الجزيرة العربية بنجاح منقطع النظير، أراد نشر تلك الرسالة للبشرية جمعاء من خلال ارسال رسائل الى ملوك الفرس والروم والقبط، تبدأ “بالسلام على من اتبع الهدى” وتنتهي “بأسلم تسلم”. ولا اظن انها مبهمة كي نخوض بها كونها واضحة، فورثَ تلك الراية المحمدية السمحاء من خَلَّفَ الرسول (ص) وخلفاؤه الراشدون (رض)، وفهموها على انها ضوء اخضر لغزو اقوام اُخرى، خصوصاً بعد ان وردتهم اخبار تلك البلدان والامصار وما فيها من خيرات وجمال النساء لم يعهدوه في صحارى العرب الفقيرة بالزرع والماء، فبدأت غزواتهم على العراق وبلاد الشام وفارس وشمال افريقيا، واتوا بذهبهم وحريرهم وحِسانهم ووزعوها على الخلفاء وامراء الحرب والجيوش طبقاً للاية الشريفة في سورة الانفال، والتي تنص على وجوب الخمس من غنائم الحروب، فكان الخمس للخليفة وخمس الخمس لقائد الجيش وما تبقى فهو غنيمة المقاتلين ليبيعوا ما فاض عن حاجتهم في اسواق النخاسة، وكذلك استندوا على ايات اخرى كثيرة في غزواتهم، منها ما يخص النساء مثل “ملك اليمين” والتي تعني جواز امتلاك الجواري ولكن الاسم جواري بقي مستعملاً عند العرب، لأن الاسلام حرم قتل المرأة في الحروب لكن اجاز استرقاقها والاتجار بها، هذا بالنسبة لغير المسلمات طبعاً ففي الاسلام لا يجوز سبي المسلمة، (ولكن سبيت حفيدة رسول الله (ص)زينب بنت فاطمة(ع) واقتيدت اسيرة الى الشام على افتاب الابل !!! ). ففعلوا ما فعلوه بأهل مصر القبطية التي قال عنها عمرو بن العاص للخليفة عمر لكي يشجعه على غزوتها: ترابها ذهب ونيلها عجب ونساؤها لعب ورجالها عبيد لمن غلب”، فشجعت الغزاة العرب على قتلٍ الرجال واغتصابٍ النساء واخذ الغلمان والعذارى، بالاضافة الى السلب والنهب لكل ما له قيمة من ذهب وفضة وزرابي وحرير وأواني وملابس الخ.. من خيراتهم التي كان يرسل قوافلها عمرو بن العاص الى الجزيرة العربية، وقيل ان تلك القوافل كان رأسها في الجزيرة العربية وذيلها في مصر تعبيراً على سعة حجمها، ويبدو ان هذا العمل كان استناداً لحديث المصطفى (اوصيكم بمصر خيرا فان لهم نسبا وصهرا)! حاشا لله، كون ام المؤمنين السيدة ماريا (رض) كانت من اقباط مصر وكذلك أمنا هاجر (رض) زوج ابراهيم الخليل (ع). ولكن لا حياة لمن تنادي يا رسول الله. وحسب المصادر التاريخية فأن اكثر الاقوام التي عانت الامرّين من تلك الغزوات العربية وقاومتها بشدة هم الامازيغ في شمال افريقيا والذين كانوا منعمين نسبياً في ظل الامبراطورية الرومانية، فقاوموا جيوش المرتزقة الجرارة بشراسة منقطعة النظير، وقتلوا الكثير من قادة الخلفاء الامويين ولكنهم غُلِبوا في الاخر واستسلموا لكثرة اعداد تلك الحملات والجيوش الجائعة من جزيرة العرب، التي قتلت رجالهم واغتصبت نسائهم واطفالهم، ومن ثم يأخذوا صغارهم من صبيان وعذارى بكر عنوة، كون ثمن ذلك النوع من “السلع” يعتمد على عمر “الكائن الحي”، فكلما كانت البكر او كان الغلام اصغر سناً كان اغلى ثمناً، كل ذلك كان يحدث امام صرخات الامهات والاطفال الذين يشاهدون ما يجري لذويهم على يد المبشرين بتلك “العقيدة” التي ارادت ان تفرقهم عن احضان ابويهم، لذا كان بعض الامهات يتوسلن بالجيش على ان يأخذوهن ليكونوا مع صغارهن وفلذات اكبادهن، هذا اذا حالفهن الحظ وكُنَ على درجة من الجمال ليوافق الامير على ذلك، وما ان تصل الى اسواق الشام حتى تباع تلك العوائل منفصلة كون الام ثمنها اقل من ثمن بنتها البكر او غلامها الصغير لتبدأ سلسلة اكبر من المعاناة في الاسر على يد مالكيهم الجدد وما يفعلوه بهم من فضائع يندى لها جبين الانسانية، ولا شئ من هذا مخالف للشرع بل العكس فهو حلال لا تشوبه شائبة ! لذا فأن رجال الامازيغ كانوا يدافعون دفاعاً مريراً عن العرض والولد والمال، وكانت استماتت اولائك الخلفاء والامراء على تلك البقعة هو ليس الذهب والخيرات الاخرى فحسب، إذ كانت لشمال افريقيا ميزة خاصة هي مِنة الخالق على نسائها بالجمال والانوثة ورخامة الصوت ونعومة الجلد وصغر الفم الخ من مقومات الجمال عند النساء وهذا موثق في كتب تاريخية معتبرة عديدة منها كتاب تاريخ الخلفاء للسيوطي في باب عبد الملك بن مروان. يذكر ان رسالة من “خليفة الله” هشام بن عبد الملك الى عامله على افريقيا يحثه على ارسال المزيد من الحسناوات وبمواصفات خاصة تلائم متطلبات وذوق خليفة المسلمين، من واسعات العيون وكبيرات الصدور وصغيرات الثغور الخ من الاوصاف، ويقارنه مع عامل ابيه (عبد الملك بن مروان) موسى بن النصير الذي اغرق قصور الخلافة الاسلامية بالجميلات من الامازيغيات لأرضاء شهوات “ظل الله في الارض”! إذن انها لم تكن فتوحات من اجل هداية الناس للاسلام ولا يحزنون، بل كانت غزوات نهب وهتك عرض والتي كانت هي ديدن العرب قبل الاسلام، ولكن الفرق الآن هو انها اصبحت بأسم الدين، لذا فهي مقدسة وبدل من ان كان الزعيم يسمى شيخ القبيلة اصبح يسمى خليفة المسلمين او ظل الله على الارض او الولي الفقيه، ولم يكن اولائك الخلفاء الا زبائن ذوي سلطة كبيرة، وكذلك عمالهم على الامصار لم يكونوا سوى مجهزين لتلك السلع النادرة والمطلوبة. ويقال ان في الفتح الاخير لافريقية اي (تونس اليوم ) اتوا بمائة الف بكر حتى ضاقت شوارع الشام بهن، فبيعت الواحدة منهن بقبضة من الفلفل! اي بورصة عرض وطلب، هل هذه هي رسالة السماء الى سيد الانام (ص)؟ وهل لمثل ذلك انزل تعالى رسالته على حبيبه المصطفى، ويقول له ( وما ارسلناك إلا رحمة للعالمين)، فأي سماء تسمح ان يسبى عباد الله المسالمون ويأتون بصبيانهم الذين لم يبلغوا الحلم وأبكارهم اللواتي في سن الثامنة او التاسعة من العمر، معاذ الله من هذا الكفر الصريح، لذا فأرتد الامازيغيون عن الاسلام اثنا عشرة مرة، وكل مرة يرجعونهم بالقوة حتى اسلموا مجبرين، ليُغزَو مرات ومرات أُخر وكذلك من قِبَل العرب امثال بنو هلال وبنو سليم وغيرهم، الم يكونوا مسلمين فلماذا الغزو إذن؟ فالادلة كثيرة على ان ما يسمى بالفتوحات لم تكن إلا غزوات وحروب من اجل النهب والجواري، ومن الجدير هنا أن نذكر حادثة في احدى الروايات حين قتل احد المقاتلين ولعل اسمه قزمان، فجاءه زميل مقاتل اخر يواسيه وهو يحتضر، يقول له هنيئاً لك الجنة يا اخي، ليجيبه قزمان بصوت منخفض، انا لم آتِ الى هنا من اجل جنة الفردوس بل جئت لاغنم. فهذه دعوة لكل المفكرين الاحرار في عالمنا الاسلامي، على العمل الجاد من اجل تغيير مناهجنا الدراسية المملوءة بمثل تلك المغالطات التي تعبر عن تلك الغزوات بأنها فتوحات من اجل هداية العباد، والتي اثرت سلباً على تفكيرنا وجعلتنا ميالين للعنف، ولكي لا تتلوث عقول اجيالنا الآتية بها، علينا أن نتبرأ من تلك الافعال المشينة والمسيئة الى سمعة ديننا ونبينا نبي الرحمة، التي قام بها الطغاة من العرب المجردين من الانسانية. فلكي نبلغ المستوى الاخلاقي لهذا القرن، علينا نقد تاريخنا بميزان الاخلاق السامية التي اوصى بها القرآن الكريم والرجوع الى الاصول الإلهية لا لإحياء اخلاق الجاهلية التي لم يستطع العرب الى اليوم التخلص منها.